الخميس، 24 نوفمبر 2016

اللغة الحية

ويطلق علي اللغة التي تكتسب دارسين أو متحدثين لها جدد اللغة الحية أو المزدهرة. لأن اللغة التي لاتتواصل مع الأجيال اللاحقة يطلق عليها لغة ميتة.ولايوجد لغة تعبش للأبد كالنباتات والحيوانات التي تظهر وتختفي. فبعض اللغات تتواري كالأنواع الحية وهذا أمر طبيعي ومتوقع عبر التاريخ الإنساني. فهناك لغات تظهر وتنمو وتزدهر وأحيانا تتداعي وتموت أو تضمحل.أو تحل محلها لغة منحوتة منها. كما ظهرت اللغة الإيطالية من عباءة اللغة اللاتينية التي كانت سائدة في العصور الوسطي. وهذه سنة الحياة البشرية. وانقراض اللغات حاليا يتسارع كما تنقرض الأنواع نتيجة الانفجار السكاني أو عصر الصناعة أو العولمة حيث الاقتصاد العالمي يجبر المجتمعات الغير صناعية علي الاختيار ما بين لغتها التقليدية أو المشاركة مع العالم الكبير. ففي شرق أفريقيا الشعوب في حاجة ماسة لتتكلم اللغة السواحلية لتنمو وتزدهر. وفي وسط أوروبا يحتاج سكانها للتكلم بالروسية.

وبنظرة عامة العالم كله في حاجة للتحدث بالإنجليزية. وأحيانا اللغات المحلية في حاجة للتعايش مع اللغات الحية.وفي الغالب تحل محلها عندما يموت الكبار وتندثر لغاتهم القومبة معهم. لأن الصغار يتبنون الألسنة السائدة. فإيقاع الحياة الجديد والإعلام قد أسفرا عن ظاهرة غريبة في المجتمعات التقليدية. مما يجعل الأطفال لديهم مصادر معرفية ومعلوماتية تغويهم وليس لها صلة بالمصادر المعلوماتية لدي الكبار لديهم في مجتمعاتهم الأصلية. فالإتحاد الأوربي يتوقع انتشار اللغة الإنجليزية بين دوله ولاسيما علي حساب اللغات المحلية بها. والتي ليس لها قدرة علي مقاومة انتشار اللغة الإنجليزية بين دول سوقه المشتركة.
وفي القرن 19 كان الأطفال أبناء السكان الأصليين في إستراليا والولايات المتحدة يجبرون في المدارس علي عدم استعمال لغاتهم القومية المتوارثة لطمس الهوية اللغوية بالقسر.وهذا ما إتبعته الحكومة الإنجليزية أيضا مع أجدادهم حيث كانت تعاقبهم لو تكلموها علانية في الحياة العامة أوالكتابة بها بالجهات الرسمية. وهذا التوجه كان متبعا أيضا في لغة السلت بإيرلندا ولغة الولش بويلز. وفي إستراليا منعت الحكومة تعليم الازدواجية اللغوية. وهذا أيضا ما أتبعته حكومات شرق أفريقيا لترويج اللغة السواحلية بين القبائل الأفريقية. لكن بعض الأقليات العرقية ما زالت تقاوم هذا التغيير القسري للغاتها الوطنية.كما حدث في كوسوفو مؤخرا عندما طالب شعبها بالحفاظ علي اللغة الألبانية المتوارثة. وكانت لغة كورنيش لغة السلت في جنوب غربي إنجلترا قد توارت تقريبا عام 1777. لكن شعبها مؤخرا قام بإحيائها والتحدث بها مع أطفاله.وحاليا يوجد 2000شخص يتقنونها. وأخذوا يكتبون اللوحات الإرشادية المرورية بالكورنيشية بجوار الإنجليزية هناك.والمثل الثاني إحياء العبرية الحديثة التي عاشت لعدة قرون كلغة دينية ودراسية. لكن في القرن 19 أدخلها العازر بن يهودا كلغة محادثة وحياة يومية في فلسطين حتي أصبحة اللغة الرسمية حاليا في إسرائيل. وتدرس بالمدارس كلغة أم هناك وتفرضها الحكومة كلغة أولي علي عربها.
فهناك صراع قد يكون محتدما بين الحفاظ علي الهوية الوطنية اللغوية ولاسيما بين الأقليات العرقية وبين التخلي عنها أمام طوفان اللغات الكبري الحية. لكن العولمة وعصر الإعلام المفتوح له مؤثراته. لأن مجتمعات كثيرة لم تعد معزولة عن بقية العالم حتي لم يعد يمكنها مقاومة هذا التأثير الإعلامي علي هوياتها ولغاتها ولاسيما لدي الأطفال الذين يتابعون هذا الفيض الإعلامي الكاسح والمؤثر. فالعالم أصبح قرية صغيرة.وميراثه من الثقافات بات مهددا تهديدا مباشرا أمام هذا المد الكاسح من المدنية. ولايستطيع شعب ما التصدي لهذا الطوفان إلا لوبذل جهدا قويا للحفاظ علي لغته ولاسيما لو كانت متأرجحة أو مهددة بالذوبان والانحلال خلال عدة أجيال قادمة. فلابد أن يلاحظ المتكلمون بلغاتهم القومية أن أطفالهم بعزفون عن الكلام والتخاطب بها.ومما يؤسف له تغاضيهم عن هذا التوجه نتيحة قرارات حكومية بفرض تعليم لغة سائدة في المدارس والتخلي عن تبني اللغة المحلية أو التبني للغة المستعمر وجعلها اللغة الأولي كلون من ألوان الاستعمار اللغوي لطمس الهويات القومية والتخلي عنها قسرا. وإحياء اللغة أو مواتها يخضع لنظرية العرض والطلب لأي لغة حسب نظرية الأواني اللغوية المستطرقة التي تحركها آليا حضارة أي شعب. ففي العصور الوسطي كانت الحضارة العربية تسود العالم وكانت اللغة العربية لغة العلوم والمعارف الإنسانية. لهذا كانت هذه اللغة سائدة بين المجتمعات الراقية في إيطاليا وفرنسا. لأنها كانت لغة حضارة متميزة إبان مطلع عصر النهضة. وكانت العلوم في كبريات جامعات أوروبا تدرس بالعربية. وعندما أفلت العلوم العربية وتطورت أوروبا كانت العلوم تدرس باللاتينية في الجامعات.ولما تطورت بعض البلدان الأوربية ظهرت اللغات القومية كبديل حضاري للاتينية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية. وأصبحت اللغة اللاتينية من اللغات الميتة رغم تمسك الكنيسة الغربية بها.والآن تواجه السوق الأوربية المشتركة اندثار لغات بعض دولها امام التوجه لكبح التعددية اللغوية بعدما أصبحت الإنجليزية لغة المال والأعمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق