بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ - 168 هـ) ، أبو معاذ ، شاعر مطبوع. إمام الشعراء المولدين. ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية. ولد أعمى، وكان من فحولة الشعراء وسابقيهم المجودين. كان غزير الشعر، سمح القريحة، كثير الإفتنان، قليل التكلف، ولم يكن في الشعراء المولدين أطبع منه ولا أصوب بديعا [1]. قال أيمة الأدب: " إنه لم يكن في زمن بشار بالبصرة غزل ولا مغنية ولا نائحة إلا يروي من شعر بشار فيما هو بصدده." وقال الجاحظ: "وليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلا وبشار أشعر منه." اتهم في آخر حياته بالزندقة. فضرب بالسياط حتى مات.
قيل أن من أجداده من كانوا ملوك الفرس. وفي نسبه الوارد في ديوانه بعض ملوك الفرس. ولذلك كان بشار يفتخر بنسبه في أكثر من موضع من ديوانه كما في قوله :
أنا ابن ملوك الأعجمين تقطعت علي ولي في العامرين عماد
وإني لمن قوم خراسان دارهم كرام وفرعي فيهم ناضر بسق
وقال:
من خراسان وبيتي في الذرى ولدى المسعاة فرعي قد بسق
كان أبوه مولى لبني عقيل بن كعب من بني عامر يعمل طيانا، وقع أبوه يرجوخ في سبي المهلب بن أبي صفرة [3]. وولد برد في الرق ونشأ رقيقا في ملك زوجة المهلب خيرة القشيرية . زوجته خيرة لأمة رومية كانت لرجل من الأزد (أم بشار) يقال أن اسمها غزالة. ثم وهبته بعد ذلك لامرأة عقيلية. ولد بشار مولى لدى العقيلية ثم أعتقته بعد أن توفي والده. عرف بعدها بمولى عقيل ونسب بالعقيلي
وقد قال في ذلك:
إنني من بني عقيل بن كعب موضع السيف من طلى الأعناق
وقد كتب بشار يلخص أصله ونشأته:
نمت في الكرام بني عامر فروعي وأصلي قريش العجم
أجارتنـا لا تجـزعـي وأنـيبــــي أتاني من الموت المطل نصيبي
بنيي على قلبي وعيني كأنه نوى رهن أحجار وجـار قـلـــيب
كأني غريب بعد موت محمد وما المــــوت فينــــا بعده بغــريب
صبرت على خير الفتو رزنته ولولا اتقاء الله طال نحيبي [4]
وقيل انه انقطع عقبه قبل وفاته. ويقال بأن محمد بن بشار إنما مات بعد والده، فعاش بعد وفاة والده حتى شب.
أراني الله وجهك جاحظيا وعينك عين بشار بن برد
ولد بشار أعمى وفي ذلك يقول:
عَميتُ جنيناً والذكاءُ من العَمَى فجئتُ عجيبَ الظنَ للعلم موئلا
ومع أنه كان أعمى منذ ولادته إلا أنه كان يأتي بشعر لا يشعر معه السامع بأن صاحبه أعمى. كان يلبس قميصا وجبة، ويجعل لهما جيبين واسعين في جهة الصدر والنحر، ثم يشدهما بأزرار. فإذا أراد أن ينزع قميصه والجبة أطلق الأزرار، فيسقط قميصه على الأرض. ولا ينزع قميصه من جهة رأسه أبدا. قال في الأغاني: وكان لبشار أخوان، وكان بارا بهما، فكانا يستعيران ثيابه، فيوسخانها وينتنان ريحها، إذا كانا قصابين، فاتخذ لنفسه قميصا له جيبان، و حلف ألا يعير أخويه ثيابه، فكانا يأخذانها بغير إذنه، فإذا دعا ببعضها فلبسه أنكر رائحته، فإذا أعياه الأمر خرج إلى الناس في تلك الثياب على نتنها ووسخها، فيقال له ما هذا يا أبا معاذ ؟ فيقول: هذه ثمرة صلة الرحم !
وكان سريع الغضب سريع الهجاء، وكان محبا للملذات مجاهرا بها حتى عرف عنه مجاهرته بالسكر والزنى. وكان سريع الرد على من خالفه، بذيء اللسان، شديد الأذى. وكان ثابت الرأي شجاع القلب.
كان هجاء، فاحشا في شعره، هجى الخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داود. حتى العلماء والنحاة فقد عرض بالأصمعي وسيبويه والأخفش وواصل بن عطاء. اتهمه بعض العلماء بالشعوبية والزندقة. وبرئه البعض من ذلك لغيرة العرب من الفرس عند بداية العصر العباسي وقيام الفرس بشئون الدولة.
بشار بن برد كان جريئا في الاستخفاف بكثير من الأعراف والتقاليد نهما مقبلا على المتعة (لا يوجد دليل) ، عاش بشار بن برد ما يقرب من سبعين عاما قبل أن يقتله الخليفة العباسي المهدي متهما اياه بالزندقة وكان بشار إلى جانب جرأته في غزله يهجو من لا يعطيه وكان قد مدح الخليفة المهدي فمنعه الجائزة فأسرها بشار في نفسه وهجاه هجاء مقذعا بل وهجا وزيره يعقوب بن داود وافحش في هجائه لهما فتعقبه الخليفة المهدي واوقع به وقتله.
كان المهدي قدم البصرة فدخل عليه يعقوب وقال: أن بشار زنديق وقد ثبتت البينة وقد هجا أمير المؤمنين فأمر قائد الشرطة أن يقبض على بشار بن برد، ويضربه بالسوط حتى التلف (الموت) فأخذوه في زورق وجسلوا يضربونه على النهر فكلما ضربوه بالصوت قال بشار: حس (حس هي كلمة تقال عند العرب لمن أحس بالألم). فقال بعضهم : انظروا إلى زندقته مانراه يحمد الله تعالى. فقال بشار : ويلك ! أثريد هو حتى أحمد الله عليه (الثريد من أنواع الأطعمة). فما وصل إلى السبعين سوطا حتى أشرف على الموت، فألقي على صدر السفينة فقال بشار : ليت عين الشمقمق تراني حين يقول :
إن بـشــار بـــن بـــردتيس أعمى في سفنية
وثم مات من ساعته
ورموا جثته على قطعه خشب فحمله الماء إلى البصرة فأخذه أهله ودفنوه بها .. وحكي انه بعدما ضرب بشار أمر من يفتش منزله فوجدوا رسالة مكتوب فيها :م حخكنم
روى بشار عن نفسه انه انشد أكثر من اثني عشر الف قصيدة ولكن ما وصل الينا من شعره لا يرى في هذا القول سوى مبالغة هائلة فشعره ليس كثير أو يعلل بعض من يرون ان ما وصل الينا اقل بكثير مما قاله بشار. ان الرقابة الدينية والسياسية والاجتماعية في عصره قد حذفت كثيرا من شعره بعد وفاته وهو متهم في معظمه خاصة في الغزل والهجاء.
عرف بشار بنمطه يجلس فيما يشبه الصالون العصري يتقبل النساء الراغبات في سماع شعره أو المغنيات اللواتي حفظن هذا الشعر ليتغنين به والغرض الثاني هو المديح فانه الوسيلة التي يمكن أن تدر عليه المال الذي يحتاجه لينفقه في ملذاته ولذا كان مبالغا في مدائحه طمعا في رضا الممدوح لإغرائه بالعطاء والغرض الثالث هو الهجاء وكان بشار شديد الوطأة في هجائه خاصة على هؤلاء الذين يمتنعون عن عطائه وقد كان بشار يرتاد مجالس اللهو والغناء يقول في مغنية:
وذات دل كأن البدر صورتها باتت تغني عميد القلب سكرانا
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فقلت احسنت يا سؤلي ويا أملي فأسمعيني جزاك الله إحسانا
يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا
قالت فهلا فدتك النفس أحسن من هذا لمن كان صب القلب حيرانا
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فقلت أحسنت أنت الشمس طالعة أضرمتِ في القلب والأحشاء نيرانا
فأسمعينيَ صوتا مطربا هزجا يزيد صبا محبا فيك أشجانا
يا ليتني كنت تفاحا مفلجة أو كنت من قضب الريحان ريحانا
حتى إذا وجدت ريحي فأعجبها ونحن في خلوة مثلت إنسانا
فحركت عودها ثم انثنت طربا تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا
أصبحت أطوعَ خلق الله كلهم لأكثر الخلق لي في الحب عصيانا
قلت اطربينا ألا يا زين مجلسنا فهات إنك بالاحسان أولانا
لو كنت أعلم أن الحب يقتلني أعددت لي قبل أن القاك أكفانا
فغنت الشرب صوتا مؤنقا رملا يذكي السرور ويبكي العين ألوانا
لا يقتل الله من دامت مودته والله يقتل أهل الغدر أحيانا
هذه الأبيات نموذج دال على غزل بشار بن برد هذا الغزل الذي يتسم بالرقة والبساطة والحواريات التي تعبر عن شخصية اجتماعية تؤثر الجلوس والائتناس في مجالس الغناء واللهو وقد ضمن بشار قصيدته بعض ابيات لجرير مثل البيت الثاني والبيت الرابع ويبدو أن بشار كان مولعا بجرير فقد حاول في مطلع شبابه ان يهجوه حين كان العصر عصر هجاء والمعروف بالنقائض بين جرير والفرزدق لكن جرير استصغره ولم يرد عليه وقد تحسر بشار لان جريراًلم يرد على هجائه لانه كان يطلب الشهرة حيث كان جرير شاعرا يملأ الساحة الشعرية الأموية ويبدو أن بشار ظل على حبه لجرير لانه طلب من المغنية ان تغني ابياته التي يقول فيها: ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يبدو أنه كان يتخذ هذا الحديث عن جرير تعلة لإعلان شأن نفسه، كما حاول ذلك في صباه فقد جعل المغنية ترد عليه في القصيدة فتقول له انها ستغني شعرا أفضل من هذا وقالت البيت المشهور لبشار - يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة والاذن تعشق قبل العين أحيانا- وهكذا يظل بشار مفتونا بشعره وبالنساء وبالحياة التي اقتحمها معبرا عن الاقتحام ببيته الذي يقول فيه:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
من راقب الناس مات غما وفاز باللذة الجسور
وقد عشق بشار بن برد امرأة يقال لها عبدة يقول فيها:
يزهدني في حب عبدة معشر قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحب
فما تبصر العينان في موضع الهوى ولا تسمع الاذنان إلا من القلب
وما الحسن الا كل حسن دعا الصبا وألف بين العشق والعاشق الصب
يشكو الم الوجد وشجن الصبابة وارق العشاق فيقول بشار:
لم يطل ليلي ولكن لم انم ونفى عني الكرى طيف الم
واذا قلت لها جودي لنا خرجت بالصمت عن لا ونعم
أنا ابن ملوك الأعجمين تقطعت | علي ولي في العامرين عماد |
وإني لمن قوم خراسان دارهم | كرام وفرعي فيهم ناضر بسق |
من خراسان وبيتي في الذرى | ولدى المسعاة فرعي قد بسق |
إنني من بني عقيل بن كعب | موضع السيف من طلى الأعناق |
نمت في الكرام بني عامر | فروعي وأصلي قريش العجم |
أجارتنـا لا تجـزعـي وأنـيبــــي | أتاني من الموت المطل نصيبي |
بنيي على قلبي وعيني كأنه | نوى رهن أحجار وجـار قـلـــيب |
كأني غريب بعد موت محمد | وما المــــوت فينــــا بعده بغــريب |
صبرت على خير الفتو رزنته | ولولا اتقاء الله طال نحيبي [4] |
أراني الله وجهك جاحظيا | وعينك عين بشار بن برد |
عَميتُ جنيناً والذكاءُ من العَمَى | فجئتُ عجيبَ الظنَ للعلم موئلا |
وذات دل كأن البدر صورتها | باتت تغني عميد القلب سكرانا |
إن العيون التي في طرفها حور | قتلننا ثم لم يحيين قتلانا |
فقلت احسنت يا سؤلي ويا أملي | فأسمعيني جزاك الله إحسانا |
يا حبذا جبل الريان من جبل | وحبذا ساكن الريان من كانا |
قالت فهلا فدتك النفس أحسن من | هذا لمن كان صب القلب حيرانا |
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة | والأذن تعشق قبل العين أحيانا |
فقلت أحسنت أنت الشمس طالعة | أضرمتِ في القلب والأحشاء نيرانا |
فأسمعينيَ صوتا مطربا هزجا | يزيد صبا محبا فيك أشجانا |
يا ليتني كنت تفاحا مفلجة | أو كنت من قضب الريحان ريحانا |
حتى إذا وجدت ريحي فأعجبها | ونحن في خلوة مثلت إنسانا |
فحركت عودها ثم انثنت طربا | تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا |
أصبحت أطوعَ خلق الله كلهم | لأكثر الخلق لي في الحب عصيانا |
قلت اطربينا ألا يا زين مجلسنا | فهات إنك بالاحسان أولانا |
لو كنت أعلم أن الحب يقتلني | أعددت لي قبل أن القاك أكفانا |
فغنت الشرب صوتا مؤنقا رملا | يذكي السرور ويبكي العين ألوانا |
لا يقتل الله من دامت مودته | والله يقتل أهل الغدر أحيانا |
من راقب الناس مات غما | وفاز باللذة الجسور |
يزهدني في حب عبدة معشر | قلوبهم فيها مخالفة قلبي |
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى | فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحب |
فما تبصر العينان في موضع الهوى | ولا تسمع الاذنان إلا من القلب |
وما الحسن الا كل حسن دعا الصبا | وألف بين العشق والعاشق الصب |
لم يطل ليلي ولكن لم انم | ونفى عني الكرى طيف الم |
واذا قلت لها جودي لنا | خرجت بالصمت عن لا ونعم |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق